الفكر الإسلامي

ماذا أعددنا ؟

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

 

 

 

       ماذا أعددنا ليوم تنقلب فيه أمريكا وبريطانيا على أية دولة أخرى من الدول العربية والإسلامية ؟ فتتهم سوريا بمساعدتها لرجال المقاومة الفلسطينية، في دفاعهم المشروع عن بلادهم ، وتتهم إيران بإمتلادفاعهم المشروع عن بلادهم ، وتتهم إيران بامتة، فر ما رَدَّ به عليه الشيخ ميرزا موَحِّد . اتبعوا عيسى عليه السلام اتباعًا روحيًاكها لأسلحة الدمار الشامل، وتتهم لبنان بمراعاتها لحزب الله في جهاده لاستعادة ما تَبَقَّىٰ من أراضي لبنانية تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وتتهم مصر، والسعودية، والسودان بالاضطهاد الديني للأقليات فيهم أو بانتهاكهم لحقوق الإنسان وغياب الديمقراطية عنهم ، وتتهم ليبيا بتمويل المنظمات الإرهابية ، وتتهم الجزائر باتساع نشاط المتطرفين فيها ، وتتهم كل دولة بما تتبناه من أيديولوجيات أو توجهات سياسية معنية ، كما لو كانت هذه الأيديولوجيات وهذه التوجهات جرم يُعَاقِبُ عليه القانون ، فتدور عليها الدائرة وتتعرض للعدوان الثنائي الأمريكي البريطاني؛ بل وقد يتطور العدوان ليصير ثلاثيًّا أو رباعيًّا بتحالف دولة أو أكثر من الدول التي تُكِنُّ عداوة للإسلام وللمسلمين .

       ماذا أعددنا لمن يتخذون من أمريكا وإنجلترا وأستراليا قبلة وملاذًا آمنا لهم ، ويتخذون منهم منبرًا للتحريض على غزو هذه أو تلك من الدول وقطع المعونات الاقتصادية عنها لتأديبها . ومنهم من يشكل حكومة في المهجر استعدادًا ليوم الانتقام ليشفي غليله من نظام الحكم ، ولو على حساب شعب بأكمله ومقدرات دولة بأكملها ، ومثلُ هؤلاء تتخذهم أمريكا دروعًا بشرية لها في غزوها واحتلالها لأية دولة . فعلت ذلك في أفغانستان ، وكذلك في العراق ؛ حيث جمعت فصائل المعارضين لنظام الحكم هنا وهناك واستخدمتهم كفيلق لمحاربة بلادهم .

       ماذا أعددنا لمقاومة هؤلاء الغزاة المتعطشين لسفك الدماء وقتل الأرواح ؛ حيث تقول تنبؤاتهم بقرب نهاية العالم وحدوث قتال كبير تسفك فيه أرواح الملايين . وها هم متلهفون لهذا اليوم ومتشوقون له ، هل ستجدي معهم الهتافات المدوية في أرجاء المعمورة كافة الرافضة للحرب ، هل ستجد هذه الهتافات آذانًا صاغية تلجم شهوات هؤلاء الغزاة في سفك الدماء وقتل الأنفس والاستيلاء على الثروات ، هل سيجدي معهم مشاهد أشلاء الضحايا المتناثرة هنا وهناك وشلاّلاتُ الدماء التي تتدفّق من الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل من السلاح وهم يشاهدونها عبر الفضائيات، هل سيجدي معهم سلاحُ المقاطعة لمتنجاتهم ونحن لا تقوم لنا قائمة إلا بالاعتماد شبه الكامل على الفتات من مساعدتهم ، هل سيجدي معهم غلق الموانئ البحرية والجوية والحدود البرية أما تحركاتهم العسكرية من قبل أية دولة ، وقد لا تستطيع هذه الدولة حمايةَ سمائها من القاذفات المتساقطة عليها ، ولو عن طريق الخطأ كما يزعم هؤلاء الغزاة ، هل سيجدي معهم سلاح البترول وما تحرك أساطيلهم وطائراتهم ونقل جيوشهم بكامل قوتها عدة وعتاد إلا من أجله .

       ماذا أعددنا لنحافظ على استقلال بلادنا ، هذا الاستقلال الذي ضَحَّىٰ في سبيل تحقيقه آباؤنا وأجدادنا على مر عقود طويلة بأرواحهم وأنفسهم، كما لم يضنوا بما ملكته أيديهم من غالٍ أو نفيس، ماذا أعددنا حتى لا يرجع بنا التاريخ إلى الوراء نصف قرن من الزمان وقتَ كانت معظمُ الدول العربية رازحةً تحت الاحتلال الأجنبي باختلاف مسمياته وأشكاله . ومن هذه الدول ما وقعت تحت نيران أكثر من مستعمر ، نصف قرن من الزمان فقط هو ما مضى على معظم دولنا العربية في العصر الحديث بدون احتلال عسكري ، لم يدم بنا الوقت طويلاً لنهنأ بهذا الاستقلال ولنفرح به ، حتى بدأ هؤلاء الغزاة في إعادة الكرة مرة ثانية . فعلى سبيل المثال لا الحصر تمّ توقيع اتفاقية الجلاء للقوات البريطانية عن مصر عام 1954م وتمّ الانسحاب الكامل في 18 يونيو عام 1956م ، كما أعلن عن استقلال السودان عام 1956م والأردن عام 1958م ، والكويت عام 1961م، واليمن الجنوبي عام 1967م، والإمارات العربية عام 1970م، والبحرين عام 1971م، وقطر عام 1971م، وسلطنة عمان في السبعينات . وكل هذه الدول كانت واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، وفلسطينُ اغتصب اليهودُ جزءًا منها عام 1948م ثم احتلّوا الجزءَ الباقي في حرب عام 1967م ، ومن قبل ذلك كانت خاضعة للنفوذ الإنجليزي. ليبيا خضعت للمستعمر البريطاني والفرنسي والإيطالي، ونالت استقلالَها عام 1951م ، بينما خضعت المغرب وتونس والجزائر للاحتلال الفرنسي ، وأعلن استقلالهم عام 1955م وعام 1957م و عام 1962م على حسب الترتيب ، وأعلن عن استقلال لبنان وسوريا من نفس المستعمر عام 1945م .

       فالعدوان قادمٌ ، قادمٌ سواء على هذه أو تلك من الدول ، سواء أكانت حربًا دينية كما يدعي البعض أو حربًا من أجل السيطرة على منابع الثروات أو من أجل إسرائيل الكبرى كما يدعي البعض الآخر، ولن تنجو دولة من نيران أسلحتهم سواء كان ذلك في المدى القصير أو الطويل ، وإن نجت الآن فماذا بعد إن سقطت بغداد واحتلت العراق كاملة ، وهاهم في طريقهم لإنشاء قواعد عسكرية بها لتكون نواةً لهم في غزوهم لأي دولة. ولكن هل سيصمد من سيصيبه الدور كما صمد شعب العراق أم سيرضخ مع أول صاروخ يسقط على أحد القصور الرئاسية أو أحد الأحياء الراقية.

       وأخيرًا ماذا أعددنا لكي يستجاب دعاؤنا بنصرة إخواننا في العراق ، وما الذي غفلنا عنه حتى لا يستجاب لدعائنا بنصرة إخواننا في فلسطين ، ولتحرير المسجد الأقصى مسرى رسول الله أول القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِيْ عَنِّي فَإِنِّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيْبُوْا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِيْ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُوْنَ» (سورة البقرة آية 186) .

       ماذا أعددنا لينصرنا الله على عدونا كما وعدنا في قوله تعالى «يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرُكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» (سورة محمد آية رقم7) وكما في قوله تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ) سورة الروم آية 48، وقوله عزّ وَجلّ في سورة يونس آية 103 (كَذٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِيْنَ) ، وقوله تعالى (إنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِيْنَ آمَنُوْا) سورة الحج آية 38. النصر سيتحقق بأذن الله وبمشيئته ولكن الطريق إليه شاق ويحتاج لإعداد العدة له . فهل نبدأ في إعدادها ؟ قال تعالى (وَأَعِدُّوْا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَّ مِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُوْنَ بِه عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِيْنَ مِنْ دُوْنِهِمْ لاَ تَعْلَمُوْنَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) سورة الأنفال آية 60؛ فلابد من إعداد القوة وليست أيةُ قوة ولكن القوة التي تمكننا من أَن نُرهب أعداءَ الله وأعداءنا ، ولأننا لم ولن نستطيع أن نجاريهم في أسلحتهم الفتاكة التي تتطور بين الفينة والأخرى ، فقد مَنَّ اللهُ علينا بسلاح الإيمان وسلاح الاستشهاد وهما ركيزتان في النصر عليهم ، فالعمليات الاستشهادية هي التي ستزلزل كيانهم ، وتقلق مضاجعهم ، وتزرع الرعب والخوف في قلوبهم ، وتجعلهم يفرون فر الجرذان . وطالما هم الذين بدأونا بالغزو وطالما هم الذين أجبرونا على قتالهم ، فيجب علينا الصمود أمامهم مهما كلفنا الأمر وليشهدوا بسالة منا وشجاعة في الذود عن أوطاننا وأعراضنا ، ولا نُوَلِّهم الأدبارَ قال تعالى (يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا لَقِيْتُمُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُم الأَدْبَارَ وَمَنْ يُّوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَه إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْمُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوٰـه جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيْرُ) سورة الأنفال آية 15 و 16 . فحينما جاء الغرب الصليبي الزاحف يحمل في صدره حقدًا أسود على الإسلام وأهله وطمعًا في خيرات بلاده ، ساعده على ذلك غفلة المسلمين وغرق حكامهم في الشهوات وتفرقهم من أجل الدنيا وحرصهم على الإمارة ، واستعداد هؤلاء الأمراء التافهين أن يبيع أحدهم أخاه ويشتري الدخيل الغريب وأن يبيع أمته ويشتري إمارته ، فلا غرو أن ينتصر الصليبيون في أو الأمر وأن يقيموا لهم ممالك وإمارات في ديار الإسلام بالتعاون مع الخونة من الأمراء ، وأن يدخلوا بيت المقدس بعد مذبحة قُتِلَ فيها عشراتُ الألوف وجرت الدماءُ للركب وبقي الصليبيون في الشام نحو مائتي عام وبقي بيت المقدس في أيديهم تسعين سنة كاملة ، ثم هيأ الله للإسلام رجالاً صمّموا على أن يقاوموا العدوان وأن يستردوا الأرض المغتصبة ويستعيدوا الحق السليب ، فكان «عماد الدين زنكي» وابنه البطل «نور الدين محمود الشهيد» وتلميذه القائد المظفر «صلاح الدين الأيوبي» الذي كتب الله له النصر على الصليبيين في معركة حطين الشهيرة ، وتم له فتح بيت المقدس وإعادته إلى أمة الإسلام . وكانت بعد ذلك معاركُ في مصر انتهت بأسر لويس التاسع في دار ابن لقمان بالمنصورة . كما تعرض الإسلام للغزو من الشرق على أيدي التتار الوثنيين الذين هجموا على بلاد الإسلام كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، وقد ظهروا والمسلمون ضعفاءُ متفرقون ليست لهم قيادة مهيبة مطاعة لا يقف في وجوههم أولئك الملوك الممزقون والأمراء المفرقون والولاة المترفون ، فسقطت البلاد في أيديهم بلدًا بلدًا، وفَرّ الأمراءُ من أمامهم أو خضعوا لهم أميرًا أميرًا . والنصرُ يُغري بالنصر والظفر يدفع إلى الظفر حتى كان المثل السائر في ذلك الزمان : «إذا قيل لك إن التتار قد انهزموا فلا تصدق ! » إنها أسطورة القوة التي لا تقهر، تتكرر ما بين عصر وآخر، وأخيرًا زحفوا على عاصمة الخلافة العباسية بغداد دار السلام وأرقى بلاد الإسلام ، فسقطت تحت ضرباتهم ، وسالت الدماء أنهارًا ، واسودَّ نهرُ دجلة من كثرة ما أُلقيَ فيه من كتب الحضارة ، ولم تكد تمضي سنوات حتى تحققت معجزة الإسلام مرتين: مرة انتصر الإسلام على التتار عسكريًا في «معركة عين جالوت» بقيادة القائد المملوكي الصالح «سيف الدين قطز» الذي حقق الله على يده النصر ومعه جنود مصر في يوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ أي بعد سقوط بغداد بسنتين فقط ، وانتصر الإسلام مرة أخرى معنويًا فإذا بهؤلاء الجبابرة الذين غزوا الإسلام يغزوهم الإسلام ، وإذا بسيف الغازي المصلت يسقط أمام تأثير العقيدة الإسلامية العزلاء وإذا بهم يدخلون في دين الله!! وبعد الانهيار والتمزق المتتالي للإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تنبأ الكثير من السياسيين والمستشرقين باختفاء الإسلام تمامًا وفي غضون حياتهم ! وقد خيّب الله ظنَّهم. وها هي المساجد تنتشر في العالم كله من لوس أنجلوس مرورًا بروما وزغرب ، حتى موسكو وبكين، وفي قرطبة الحاضرة القديمة للخلافة الأموية في الأندلس ، أسس المسلمون الأسبان في عام 1994م الجامعة الإسلامية الدولية «آفيروس» وليس بعيدًا عن الجامع القديم في قرطبة ، يرفع الآذان ثانيًا للصلاة ، يا لها من إثارة أن يحدث هذا بعد خمس مائة سنة من طرد آخر مسلم من الأندلس .

*  *  *

المراجع

         العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري فتحي يكن من ص 21 إلى ص 46؛ المبشرات بانتصار الإسلام يوسف القرضاوي من ص 50 إلى 52 ومن ص 61 إلى 64 .

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.

 



(*)         6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

           الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

           الجوّال : 0101284614

         Email: ashmon59@yahoo.com